فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أي أملس صقيل قاله ابن كثير وقال مجاهد الصلصال هو المنتن وما قدمنا هو الحق بدليل قوله تعالى: {خَلَقَ الإنسان مِن صَلْصَالٍ كالفخار} [الرحمن: 14]. إذا عرفت هذا فاعلم أن الله جل وعلا أوضح في كتابه أطوار هذا الطين الذي خلق منه آدم فبين أنه أولًا تراب بقوله: {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران: 59]، وقوله: {يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} [الحج: 5]، وقوله: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} [غافر: 67]. الآية إلى غير ذلك من الآيات ثم اشار إلى ان ذلك التراب بل فصار طينًا يعلق بالأيدي في مواضع أخر كقوله: {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} [الصافات: 11]، وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ} [المؤمنون: 12]، وقوله: {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ} [السجدة: 7]. إلى غير ذلك من الآيات وبين أن ذلك الطين أسود وأنه متغير بقوله هنا {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [الحجر: 26]، وبين أيضًا أنه يبس حتى صار صلصلًا اي تسمع له صلصة من يبسه بقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن صَلْصَالٍ} [الحجر: 26]. الآية وقوله: {خَلَقَ الإنسان مِن صَلْصَالٍ كالفخار} [الرحمن: 14]. الآية والعلم عند الله تعالى.
{إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)}
بين في هذه الآية الكريمة أن إبليس أبى أن يسجد لآدم وبين في مواضع أخر أنه تكبر عن امتثال أمر ربه كقوله في البقرة: {إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر} [البقرة: 34]. الآية وقوله في ص {إِلاَّ إِبْلِيسَ استكبر وَكَانَ مِنَ الكافرين} [ص: 74]، وأشار إلى ذلك هنا بقوله: {قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [الحجر: 33]. كما تقدمت الإشارة إليه.
{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32)}
بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه سأل إبليس سؤال توبيخ وتقريع عن الموجب لامتناعه من السجود لآدم الذي أمره به ربه جل وعلا وبين أيضًا في الأعراف وص أنه وبخه أيضًا بهذا السؤال قال في الأعراف {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُك} [الأعراف: 12]. الآية وقال في ص: {قَالَ ياإبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]. الآية وناداه باسمه إبليس في الحجر وص ولم يناده به في الأعراف.
{قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33)}
هذا القول الذي ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن إبليس لعنه الله أنه لم يكن ليسجد لبسر مخلوق من الطين مقصوده به أنه خير من آدم لأن آدم خلق من الطين وهو خلق من النار كما يوضحه قوله تعالى: {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: 12].
{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34)}
بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه أمر إبليس بالخروج من الجنة مؤكدًا أنه رجيم وبين في الأعراف أنه خروج هبوط وأنه يخرج متصفًا بالصغار والذل والهوان بقوله: {قَالَ فاهبط مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فاخرج إِنَّكَ مِنَ الصاغرين} [الأعراف: 13].
{وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35)}
بين في هذه الآية الكريمة أن اللعنة على إبليس إلى يوم الدين وصرح في ص بأنه لعنته جل وعلا على إبليس غلى يوم الدين بقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لعنتي إلى يَوْمِ الدين} [ص: 78]، وقد قدمنا في الفاتحة بيان يوم الدين. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)}
تكملة لإقامة الدليل على انفراده تعالى بخلق أجناس العوالم وما فيها.
ومنه يتخلص إلى التذكير بعداوة الشيطان للبشر ليأخذوا حذرهم منه ويحاسبوا أنفسهم على ما يخامرها من وَسْواسه بما يرديهم.
جاء بمناسبة ذكر الإحياء والإماتة فإن أهم الإحياء هو إيجاد النوع الإنساني.
ففي هذا الخبر استدلال على عظيم القدرة والحكمة وعلى إمكان البعث، وموعظةٌ وذكرى.
والمراد بالإنسان آدم عليه السلام.
والصلصال: الطين الذي يترك حتى ييبس فإذا يبس فهو صلصال وهو شبه الفَخّار؛ إلا أن الفَخّار هو ما يبس بالطبخ بالنّار.
قال تعالى: {خلق الإنسان من صلصال كالفخار} [سورة الرحمن: 14].
والحَمأ: الطين إذا اسودّ وكرهت رائحته.
وقوله: {من حمإ} صفة لـ: {صلصال} و{مسنون} صفة لـ: {حمإ} أو لـ: {صلصال}.
وإذ كان الصلصال من الحمأ فصفة أحدهما صفة للآخر.
والمسنون: الذي طالت مدة مكثه، وهواسم مفعول من فعل سنّهُ إذا تركه مدة طويلة تشبه السّنة.
وأحسب أن فعل {سَن} بمعنى ترك شيئًا مدة طويلة غيرُ مسموع.
ولعل {تَسَنّه} بمعنى تغيّر من طول المدّة أصله مطاوع سَنه ثم تنوسي منه معنى المطاوعة.
وقد تقدم قوله تعالى: {لم يتسنّه} في [سورة البقرة:259].
والمقصود من ذكر هذه الأشياء التنبيه على عجيب صنع الله تعالى إذ أخرج من هذه الحالة المهينة نوعًا هو سيد أنواع عالم المادة ذات الحياة.
وفيه إشارة إلى أن ماهية الحياة تتقوم من الترابية والرطوبة والتعفن، وهو يعطي حرارة ضعيفة.
ولذلك تنشأ في الأجرام المتعفّنة حيوانات مثل الدود، ولذلك أيضًا تنشأ في الأمزجة المتعفّنة الحمى.
وفيه إشارة إلى الأطوار التي مرّت على مادة خلق الإنسان.
وتوكيد الجملة بلام القسم وبحرف {قد} لزيادة التحْقيق تنبيهًا على أهميّة هذا الخلق وأنه بهذه الصفة.
وعطف جملة {والجانّ خلقناه} إدماج وتمهيد إلى بيان نشأة العداوة بين بني آدم وجُند إبليس.
وأكدت جملة {والجان خلقناه} بصيغة الاشتغال التي هي تقوية للفعل بتقدير نظيره المحذوف، ولما فيها من الاهتمام بالإجمال ثم التفصيل لمثل الغرض الّذي أكدت به جملة {ولقد خلقنا الإنسان} إلخ..
وفائدة قوله: {من قبل} أي من قبل خلق الإنسان تعليم أن خلق الجانّ أسبق لأنّه مخلوق من عنصر الحرارة والحرارة أسبق من الرطوبة.
و{السموم} بفتح السين: الريح الحارة.
فالجنّ مخلوق من النارية والهوائية ليحصل الاعتدال في الحرارة فيقبل الحياة الخاصة اللائقة بخلقة الجنّ، فكما كَوّن الله الحمأةَ الصلصالَ المسنونَ لخلق الإنسان، كَون ريحًا حارة وجعل منها الجنّ.
فهو مكون من حرارة زائدة على مقدار حرارة الإنسان ومن تهوية قويّة.
والحكمة كلّها في إتقان المزج والتركيب.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28)}
عطف قصة على قصة.
و{إذ} مفعول لفعل {اذكر} محذوف.
وقد تقدم الكلام في نظائره في سورة البقرة وفي سورة الأعراف.
والبشر مرادف الإنسان، أي أنّي خالق إنسانًا.
وقد فهم الملائكة الحقيقة بما ألقَى الله فيهم من العلم، أو أن الله وصف لهم حقيقة الإنسان بالمعنى الذي عبّر عنه في القرآن بالعبارة الجامعة لذلك المعنى.
وإنما ذُكر للملائكة المادة التي منها خلق البشر ليعلموا أن شرف الموجودات بمزاياها لا بمادة تركيبها كما أومأ إلى ذلك قوله: {فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}.
والتسوية: تعديل ذات الشيء.
وقد أطلقت هنا على اعتدال العناصر فيه واكتمالها بحيث صارت قابلة لنفخ الروح.
والنفخ: حقيقته إخراج الهواء مضغوطًا بين الشفتين مضمومتين كالصفير، واستعير هنا لوضع قوة لطيفة السريان قوية التأثير دَفعة واحدة، وليس ثَمة نفخ ولا منفوخ.
وتقريب نفخ الروح في الحي أنه تكون القوّة البخارية أو الكهربائية المنبعثة من القلب عند انتهاء استواء المزاج وتركيب أجزاء المزاج تكونًا سريعًا دفعيًا وجريان آثار تلك القوة في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن في تجاويف جميع أعضائه الرئيسة وغيرها.
وإسناد النفخ وإضافة الروح إلى ضمير اسم الجلالة تنويه بهذا المخلوق.
وفيه إيماء إلى أن حقائق العناصر عند الله تعالى لا تتفاضل إلا بتفاضل آثارها وأعمالها، وأن كراهة الذات أو الرائحة إلى حالة يكرهها بعض الناس أو كلهم إنما هو تابع لما يلائم الإدراك الحسي أو ينافره تبعًا لطباع الأمزجة أو لإِلففِ العادة ولا يُؤْبَه في علم الله تعالى.
وهذا هو ضابط وصف القذارة والنّزاهة عند البشر.
ألا ترى أن المني يستقذر في الحس البشري على أن منه تكوين نوعه، ومنه تخلقت أفاضل البشر.
وكذلك المسك طَيّب في الحس البشري لملاءمة رائحته للشّم وما هو إلا غُدة من خارجات بعض أنواع الغزال، قال تعالى: {وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسلَهُ من سلالة من ماء مهين ثم سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلًا ما تشكرون} [سورة السجدة: 7: 9].
وهذا تأصيل لكون عالم الحقائق غير خاضع لعالم الأوهام.
وفي الحديث: «لَخلُوف فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك».
وفيه لا يُكْلَم أحد في سبيل الله؛ واللّهُ أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة ودَمه يَشْخُب اللّونُ لونُ الدم والريح ريح المسك.
ومعنى {فقعوا له ساجدين} أُسقُطوا له ساجدين، وهذه الحال لإفادة نوع الوقوع، وهو الوقوع لقصد التعظيم، كقوله تعالى: {وخرّوا له سجدًا} [سورة يوسف: 100].
وهذا تمثيل لتعظيم يناسب أحوال الملائكة وأشكالهم تقديرًا لبديع الصنع والصلاحية لمختلف الأحوال الدال على تمام علم الله وعظيم قدرته.
وأمر الملائكة السجود لا ينافي تحريم السجود في الإسلام لغير الله من وجوه:
أحدها: أن ذلك المنع لسدّ ذريعة الإشراك والملائكة معصومون من تطرّق ذلك إليهم.
وثانيها: أن شريعة الإسلام امتازت بنهاية مبالغ الحق والصلاح، فجاءت بما لم تجىء به الشرائع السالفة لأن الله أراد بلوغ أتباعها أوج الكمال في المدارك، ولم يكن السجود من قبل محظورًا فقد سجد يعقوب وأبناؤه ليوسف عليهم السلام وكانوا أهل إيمان.
وثالثها: أن هذا إخبار عن أحوال العالم العلوي، ولا تقاس أحكامه على تكاليف عالم الدنيا.
وقوله: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} عنوان على طاعة الملائكة.
و{كلهم أجمعون} تأكيد على تأكيد، أي لم يتخلّف عن السجود أحد منهم.
وقوله: {إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين} تقدم القول على نظيره في سورة البقرة وسورة الأعراف.
وقوله هنا {أن يكون مع الساجدين} بيان لقوله في [سورة البقرة:34] {واستكبر} لأنه أبى أن يسجد وأن يساوي الملائكة في الرضى بالسجود.
فدلّ هذا على أنه عصى وأنه ترفّع عن متابعة غيره.
وجملة {ما لك ألا تكون مع الساجدين} استفهام توبيخ.
ومعناه أي شيء ثبت لك، أي متمكنًا منك، لأن اللام تفيد الملك.
و{ألا تكون} معمول لحرف جر محذوف تقديره {في}.
وحَذف حرف الجر مطرد مع {أنْ}.
وحرف {أن} يفيد المصدرية.
فالتقدير في انتفاء كونك من الساجدين.
وقوله: {لم أكن لأسجد} جُحود.
وقد تقدم أنه أشد في النفي من {لا أسجد} في قوله تعالى: {ما يكون لي أن أقول} في آخر العقود [المائدة: 116].
وقوله: {لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون} تأييد لإبايَته من السجود بأن المخلوق من ذلك الطين حقِير ذميم لا يستأهل السجود.
وهذا ضلال نشأ عن تحكيم الأوهام بإعطاء الشيء حكم وقعه في الحاسة الوهمية دون وقعه في الحاسة العقلية، وإعطاء حكم ما منه التكوين للشيء الكائن.
فشتّان بين ذكر ذلك في قوله تعالى للملائكة: {إني خالق بشرًا من صلصال من حمإ مسنون} وبين مقصد الشيطان من حكاية ذلك في تعليل امتناعه من السجود للمخلوق منه بإعادة الله الألفاظ التي وصف بها الملائكة.
وزاد فقال ما حكي عنه في سورة [ص:76] إذ قال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} ولم يحك عنه هنا.
وبمجموع ما حكي عنه هنا وهناك كان إبليس مصرحًا بتخطئة الخالق، كافرًا بصفاته، فاستحق الطرد من عالم القدس. وقد بيناه في سورة ص.
وعطفت جملة أمره بالخروج بالفاء لأن ذلك الأمر تفرع على جوابه المُنبىء عن كفره وعدم تأهله للبقاء في السماوات.
والفاء في {فإنك رجيم} دالّة على سبب إخراجه من السماوات.
و{إنّ} مؤذنة بالتعليل.
وذلك إيماء إلى سبب إخراجه من عوالم القدس، وهو ما يقتضيه وصفه بالرجيم متلوث الطوية وخبث النفس، أي حيث ظهر هذا فيك فقد خبثت نفسك خبثًا لا يرجى بعده صلاح فلا تَبقى في عالم القدس والنزاهة. والرجيم: المطرود. وهو كناية عن الحقارة.
وتقدم في أول هذه السورة {وحفظناها من كل شيطان رجيم} [سورة الحجر: 17].
وضمير {منها} عائد إلى السماوات وإن لم تذكر لدلالة ذكر الملائكة عليها.
وقيل: إلى الجنة.
وقد اختلف علماؤنا في أنها موجودة.
و{اللعنة}: السّبّ بالطرد.
و{على} مستعملة في الاستعلاء المجازي؛ وهو تمكن اللعنة والشتم منه حتى كأنه يقع فوقه.
وجُعل {يوم الدين} وهو يوم الجزاء غاية للّعن استعمالًا في معنى الدوام، كأنه قيل أبدا.
وليس ذلك بمقتضي أن اللعنة تنتهي يوم القيامة ويخلفها ضدها، ولكن المراد أن اللعنة عليه في الدنيا إلى أن يلاقي جزاء عمله فذلك يومئذٍ أشد من اللعنة. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)}
وسبحانه يتكلّم هنا عن خَلْق الإنسان من بعد أن تكلم عن خَلْق الكون وما أعدَّه له فيه، وليستقبل الكون الخليفةَ لله؛ فيوضح أنه قد خلقه من الصَّلصال، وهو الطين اليابس.
وجاء سبحانه بخبر الخَلْق في هذه السورة التي تضمنت خبر مَدِّ الأرض؛ ومَجِيء الرياح، وكيفية إنزال الماء من السماء؛ وكيف قَدَّر في الأرض الرزق، وجعل في الأرض رواسي، وجعل كُلّ شيء موزونًا.
وهو سبحانه قد استهلَّ السورة بقوله: {تِلْكَ آيَاتُ الكتاب وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ} [الحجر: 1].
أي: أنه افتتح السورة بالكلام عن حارس القِيم للحركة الإنسانية؛ ثم تكلّم عن المادة التي منها الحياة؛ وبذلك شمل الحديثُ الكلام عن المُقوِّم الأساسي للقيم وهو القرآن، والكلام عن مُقوِّم المادة؛ وكان ذلك أمرًا طبيعيًا؛ ودَلّلْتُ عليه سابقًا بحديثي عن مُصمِّم أي جهاز من الأجهزة الحديثة؛ حيث يحدد أولًا الغرض منه؛ ثم يضع جدولًا وبرنامجًا لصيانة كل جهاز من تلك الأجهزة.
وهكذا كان خَلْق الله للإنسان الذي شاء له سبحانه أن يكون خليفته في الأرض، ووضع له مُقوِّمات مادة ومُقوّمات قِيم؛ وجاء بالحديث عن مُقوِّمات القِيَم أولًا؛ لأنها ستمدّ حياة الإنسان لتكون حياة لا تنتهي، وهي الحياة في الدنيا والآخرة.